(وتلك الأيام نداولها)
–مقال عمودي-
نقف اليوم أمام حدث نادر لا يتكرر إلا كل بضع مئات من السنين، ولا أدري إن كان من حسن أو سوء حظ أبناء هذا الجيل أن قُدر لهم أن يكونوا من شهود عيان هذا الحدث المثير للإعجاب رغم فداحته ووحشيته، ففيه يتحقق وعد الله “بتدويل الأيام بين الناس”
حيث يُجمع الكثير أننا نشهد حالياً عملية إعادة تهيئةٍ وتشكيل لواجهة العالم من جديد، فبين جبهات حرب مستعرة إلى أخرى في مرحلة غليان وانفجار وشيك، تقف الشعوب أمام أعظم مسرح تتساقط فيه أقنعة طالما انبهرنا بروعتها، لتظهر من خلفها حقيقة الوجوه على بشاعتها..
معلوم أن في كل مأساة عِبرة، وإحدى العِبر المستفادة من الأحداث المأساوية الجارية _حرب غزة وتداعياتها على سبيل المثال_ أن حلم الهجرة الجميل تبدد من البال نهائياً.. لم تعد أي دولة تمتلك مؤهلات ومواصفات الدولة التي قد تظهر في أحلام يقظتنا الوردية، فقد تم التأكيد مؤخراً على أن قيمة الروح الإنسانية، قيمة المبادئ والأخلاق والضمير.. هي نفسها في كل زاوية من هذا العالم: صِفر!
لا قيمة ولا أهمية إلا للمصالح البدائية للبشر، ممثلة بالمال والسلطة والنفوذ، هكذا بكل ما بالبساطة من وضاعة..
لهذا لم يعد هناك من فارق مهم في أي مكان قد تحيا أو تموت، طالما أن روحك وإنسانيتك رخيصة في كل الأحوال، فلن يشكل فرقاً تواجدك في اليمن مثلاً أو هناك في إحدى تلك الدول مزدوجة الوجه والمعايير، التي انفضح زيف وقبح شعاراتها اللامعة عبر عشرات السنين.. على الأقل، اتضح أن اليمن أكثر صراحة وشفافية في هذا الجانب، لا تدّعي احترام الإنسان وكرامته وحقوقه ظاهرياً، ومن خلف الكواليس تُهينه وتنهشه أسوأ من وحش…
فأي أقنعة جديدة يتم التحضير لارتدائها، وأي الوجوه سترتديها هذه المرة وتأخذ دور البطولة؟ هذا ما سنكتشفه عندما يرفع الستار من جديد..
لكن ماذا عنا؟
نعم، ماذا عنا نحن بنو اليمن في خضم كل ما يجري في العالم اليوم؟
عشر سنين وفوّهة القتل نفسها ترشقنا واحداً واحد، يذهب قناص ويأتي آخر، لكن السلاح هو نفسه، النية نفسها، والهدف نفسه: تدمير كل ما هو منتم لليمن من أرض وإنسان.. لكن المختلف الآن نحن، لقد امتلكنا معجزة (الرد) أخيراً!
يعافر هذا البلد الذبيح أن يستيقظ من موته، أن يُمسك رأسه بيديه ويقف موقف الخصم (النِدّ) لكل رؤوس الشياطين المحيطة به من كل جانب..
صحيح لا زلنا نموت بشتى الصور كما جرت العادة، لكن أصبح لموتنا صوت يُسمع ويُثير القلق، هكذا وكأننا فجأة أصبحنا من بني الإنسان، وإنه لشعور مدهش أن يتم الاعتراف ببشريتنا أخيراً، وهذا لعَمري بارقة أمل لمستقبل أجمل ولو في الألفية القادمة على الأقل..
إرسال التعليق