المرأة والتعليم.. معاناة قديمة متجددة
تقرير
حرمان الفتاة من التعليم، المأساة القديمة الحديثة، والذرائع الواهية ذاتها منذ فجر التخلّف، فلطالما ربط العديد من الرجال العرب عامة و اليمنيين خاصة مدى الحفاظ على شرفهم بمدى الحفاظ على “شرف” نساء بيوتهم، الذي يرتبط هو الآخر بمدى إلزامهن البقاء في البيوت؛ فكل خروج هو مدعاة للريبة ودق لناقوس الخطر باحتمالية جلب العار الكبير، وما الإلتحاق بالمدارس والجامعات إلا الباب الأوسع لحتمية وقوع الكارثة..
رحيل
فتاة من أقصى بقاع الريف والتخلف وأشد المجتمعات تزمتاً وقمعاً للمرأة، قرية “الصفرا” إحدى قرى مدينة صعدة، توجد فيها فتاة صغيرة تدعى رحيل، تحلم بالرحيل بعيداً نحو السماء وخلف الحدود تحت لقب “كابتن طائرة”!
لم يُسمح لفتاة من أسرتها أن تكمل تعليمها ولا حتى لفتاة من بنات قريتها، بل ليس من المتعارف أن وجدت فتاة أكملت تعليمها ليس فقط الجامعي بل وحتى الأساسي، فكيف ومن أين راود رحيل ذاك الحلم الكبير حد الاستحالة؟
كيف تحلم أن تدرس الطيران ولم تعرف يوماً معنى كلية الطيران، لم تعرف تلفازاً ولا كتباً ولا أي وسيلة قد تربطها بالعالم وما يحدث فيه وما قد تستطيع أن تفعل النساء؟ كيف سيطر على عقل وقلب طفلة بريئة حلم ضخم شجاع كهذا؟؟
لم تحلم كمئات الفتيات الريفيات أن تحصل على حقها في التعليم فحسب، بل جاوزت حدود المسموح من المستحيلات في قريتها وحلّقت إلى نقطة لم تبلغها حتى أشد فتيات المدن حرية واستقلالية!
الإجابة المدهشة!
عندما تم سؤالها عن مصدر هذا الحلم متى وكيف بدأ، كانت الإجابة الصادمة، تقول رحيل أن هذا الحلم بدأ بمراودتها عندما كانت تسمع عن الطيارة الإماراتية المدعوّة “مريم” التي تعتبر أحد الضباط الذين يقودون طائرات العدوان على اليمن، وأنه من حينها وحلم قيادة الطائرات لم يدعها وشأنها..
ردت رحيل بالنفي القاطع عند سؤالها إن كانت تريد أن تنتقم من وراء رغبتها تعلم الطيران، وأعقبت نفيها بهذا التعبير الذي لا أحد سيصدق أنه صادر من طفلة لم تتجاوز العاشرة من العمر تقول: أنا أريد فقط أن أحلّق في السماء ولكن إذا ما مررت يوماً من فوق إحدى دول العدوان فلن أفعل شيء سوى أن أبصق عليها!
كيف لمثلكِ يا رحيل أن تتجاهلها الأقدار وتحكم على روحها الحرة وأحلامها الشغوفة بالسجن خلف قضبان التخلف والرجعية المقيتة؟؟
(للذكر مثل حظ الأنثيين)
هكذا كرم القرآن الذكور وجعلهم أعلى مكانة ومقاما، لكن ذكور البلاد لم يكتفوا بهذا التشريف والتقدير، فأصبح الواقع أن الذكر يستولي على حظ كل إناث العائلة، ولو أمكن أن يملك حظ كل إناث القرية والمدينة والعالم أجمع ما تردد، ولكن وكما يقول المثل الشعبي: “ما يقيّد ربك إلا وحوش” والحمدلله على ذلك..
من أسباب حرمان الفتاة من تعليمها إلى جانب ذريعة الفقر، الذريعة الشرعية والمطبّقة بحزم شديد ضد الفتيات وفي حالات نادرة وعلى استحياء ضد الأولاد هناك سبب قد لا يعترف به بعض الآباء والذي يتفاخر به البعض الآخر، ألا وهو عملية الأفضلية والأولوية التي تُمنح للأبناء الذكور دوناً عن الإناث بلا أي مبرر إلا كون الابن ضمن الجنس المذكر السالم القدسي المقدس، حتى في حال كانت البنات أشد استحقاقاً وموهبة وتفوقاً وجدارة إلا أنه لا يشفع لهن أي استثناء ما دُمن يندرجن تحت خانة النوع “القواريري”..
عُرْف أزلي وتاريخ سحيق يُعزّز أفضلية الذكور في كل مناحي الحياة ما يجعل قَمع واضطهاد واقصاء المرأة في كل مناحي الحياة ظاهرة طبيعية سلسة ومستساغة عند كافة أفراد المجتمع الذي من ضمنه المرأة نفسها، نعم فليس الأب وحده من قد يحمل وزر ومظلومية حرمان ابنته من أهم وأولى حقوقها وهو التعليم، فالأم كذلك قد تحمل من الفكر المتحيز والعنيف ضد البنات ما يفوق ذاك الذي قد يحمله أي أب، وهذا ما يجعل المصيبة مضاعفة الألم والقسوة،
تعامِ القانون، تَصامِ الشرع، وعجز مبتذل للإنسانية
إيمان محيي الدين، فتاة تقطن إحدى قرى مديرية صبر محافظة تعز.. ضحية لضحية مثلها، كانت أمها كآلاف الأمهات التي يترعرعن على عُرف يقدس الذكور ويستهجن الإناث، كانت تفضل أبناءها ليس فقط على بناتها بل وحتى على نفسها، تتعامل مع بناتها على اعتبار أنهن مجرد خدم وعبيد لإخوانهن، ولإخوانهن كامل الصلاحية بتحديد نمط حياتهن بل وحتى موتهن، فلا قانون ولا شرع ولا عُرف قد يُسمح له أن يتدخل، بل ترى هؤلاء الثلاثة يقفون بتجاهل وتعامٍ وتصام وعجز مبتذل يندى له الجبين أمام أي مصير وحشي قد يقع بالفتيات من قبل أقاربهن..
كانت إيمان كعشرات الفتيات اللاتي يلهفن وراء حلم التعليم، وما قد يفاقم الغصة والقنط في قلوبهن عندما يصادفن فتيات من ذات عمرهن وبيئتهن وهن يتساربن نحو المدارس، كانت إيمان الأشد نباهة وفطنة من بين جميع فتيات قريتها، فكان من المفزع أن تلتحق معظم رفيقاتها الأقل شغفا وذكاءً بالمدرسة بينما هي تقف لها بالمرصاد والدتها السيدة عاتكة، فلن تسمح لابنتها على حد قولها أن تلتحق بالمدارس لتتعلم الكتابة فتذهب بعدها مباشرة لكتابة “المراسيل الغرامية” لأولاد القرية، فلن تسمح أن تجلب عليها ولا على اخوتها مثل هذا العار الذي لن يغسله سوى دمها المراق!
كيدٌ مُباح!
لم تنجح مئات التوسلات والابتهالات من قبل إيمان لأمها واخوتها، فخنعت واستسلمت لكل شيء ما عدا حلم القراءة والكتابة، الذي حققته أخيراً وبحيلة ذكية لم تخطر على البال، فقد عمدت إلى التعلم من كتب اخوتها أثناء غيابهم، كذلك إلى التنصت والتلصص عليهم أثناء مذاكرتهم وأثناء تقديم شيخ القرية دروس تحفيظ القرآن الذي كانت تجلبه السيدة عاتكة إلى البيت من أجل تحفيظ أبنائها.. وهكذا تعطينا إيمان درساً فريدا عن قوة الإرادة وأن لا حلم مستحيل طالما امتلأ القلب بالثقة والأمل وامتلأت النفس بالشجاعة والصبر
مقارنات:
على الرّغم من صدور القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992 والذي يساوي فيه حقوق الجنسين في الإنتفاع بالفرص التعليمية التي تتيحها المؤسسات التربوية والتعليمية وبالتالي يضمن حق الفتاة في الحصول على التعليم على قدم المساواة مع الفتى بما يتّفق مع ميولها وقدراتها. إلا أن آخر إحصائيات صادرة من وزارة التربية والتعليم، بعمل تعاوني بين الحكومة اليمنية والبنك الدولي، سرعان ما تكشف واقع تمييزي واضح حيث أن نسبة إلتحاق الفتيات في المرحلة التعليمية الإبتدائية بلغت 76% للعام 2008 بينما وصلت النسبة عند الذكور إلى 94%. وكلما ارتفعنا في المستوى التعليمي نلاحظ تراجع في عدد الإناث الملتحقات، ففي المرحلة الأساسية بلغت نسبة الإناث 42% في حين إرتفعت إلى 84% عند الذكور، أما في المرحلة الثانوية، فقد بلغت نسبة إلتحاق الإناث بالتعليم 23% مقابل 43% لدى الذكور، وبالنسبة للتعليم الجامعي تقدّر نسبة الفتيات ب5. 7%مقابل 18%عند الذكور. وتكشف هذه الأرقام ليس فقط تمييز على أساس الجنس في التعليم وإنّما أيضًا نسب مرعبة للتسرّب من التعليم لدى الجنسين سببه الأوضاع السياسية والأمنية المتردّية.¹
وبالتركيز على التحاق الفتيات بالتعليم المدرسي، نجد في كتاب مؤشرات التعليم في الجمهورية اليمنية للعام 2013/2012 الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء أن نسبة الطالبات في اليمن لا تتجاوز (37%) من إجمالي عدد الملتحقين بالتعليم.
كما توضح الوثيقة الوطنية لتشجيع تعليم الفتاة أن عدد الفتيات المتعلمات في المناطق الحضرية تصل إلى (59%) في حين لا تتجاوز نسبة المتعلمات في الريف (24%).
ومن خلال هذه الإحصائيات، وهي لفترة ما قبل الحرب التي نعيشها منذ سنوات، نرى نسب تسرب الفتيات من التعليم تنذر بالخطر ناهيك عن أن الفتيات يعانين من تمييز مجحف وحرمان من حقوقهن في التعليم. كان الوضع هكذا قبل الحرب أما وضع التعليم حالياَ ينجرف نحو الهاوية مع تدمير المدارس وانعدام الأمان وعوامل أخرى لا مجال للتعرض لها هنا.
*المصادر
موقع شريكة ولكن
موقع ميديا ساك
إرسال التعليق