التعليم في اليمن.. إلى أين؟
_تقرير_
“كيف أساوي رواتبكم برواتب من علمكم!” هكذا أجابت رئيسة وزارء بريطانيا، عندما وُجهت لها مطالبات برفع رواتب وزراء البلاد وتسويتها برواتب المعلمين أو أعلى منها.. هذا هو المعلم في البلدان الأخرى، يحظى بمكانة مادية هي الأعلى أجرًا، فبواسطته تتعلم الأجيال، وتسير بيده نحو القمة والحضارة.. يُعلّم الأطباء والمهندسين والمحامين والوزراء، يُعلّم الجميع بشكل عام.. يبني اللبنة الأولى من المرحلة التعليمية للطالب، القرأة والكتابة والحساب، لكن مع كل هذه المكانة والقدر للمعلم، إلا أن من أخطر عوامل ضعف التعليم وأكثرها تأثيرًا هو نفسه المعلم…..
وهذا ما تعانيه العملية التعليمية في اليمن، فمنذ انقطاع الرواتب على أغلب مكونات الدولة، بسبب تداعيات الحرب ونقل البنك المركزي إلى عدن، إنقطع تسليم الرواتب لموظفي الدولة ومن بينهم معلمي المدارس الحكومية، فهي من أكثر الشرائح المتضررة من آثار هذا الحدث، وأصبح المعلم في حالة مادية يرثى لها، منهم من غادر البلاد، ومنهم من ترك مهنة التعليم وعمل في مهنة أخرى، ومنهم من ضاعف عمله بأعمال أخرى، ومنهم من استمر رغم الحرمان، ومنهم من يئس وقعد.. وهذا ما جاء على لسان إحدى المدراسات بمدارس العاصمة، أما بالنسبة لأثر إنقطاع الرواتب على أداء المعلمين وإعاقتهم عن إيصال رسالتهم بشكلها المناسب والمحبب للطالب، فهنا تكمن المعاناة الأكثر قهرًا، حيث أصبح المعلم لا يملك ما يوصله من بيته إلى المدرسة صباحًا، فيقطع الطريق مشيًا على الأقدام، بل علاوة على ذلك يأتي وهو جائع ليس في معدته ما يسد الجوع، ناهيك عن أن بعض إدارات المدارس، لا توفر أبسط مستلزمات التعليم للمعلم كأقلام السبورة والممحاة كمثال بسيط، بل يتم جمع بعض النقود من الطلاب لشراء قلم!
ومن أجل أن يحصلو على دخلٍ يسد حاجتهم المعيشية، وبنفس الوقت يحافظو على الدرجة الوظيفية، هناك من المدرسين من قررو التدريس في مدرسة أخرى أهلية، إلى جانب التدريس في مدرستهم الحكومية، وهذا ما أثر على أدائهم التعليمي، وضاعف من جهدهم ووقتهم بشكل كبير، فالبعض كما وضحه لنا أنه، يُدرّس في مدرسة، الثلاث الحصص الأولى وبعدها يذهب إلى المدرسة الأخرى، والتي تبعد عن المدرسة الأولى مسافة عشرة كيلو متر.. ليصل ويُدرّس ثلاث حصص أخرى وهي الرابعة والخامسة والسادسة، وهذا حال نسبة كبيرة من المدرسين حوالي 40٪ حسب إحصائية العام 2022
ناهيك عن أن انقطاع الرواتب أثر بشكل مزدوج على نفسية المدرس فأصبح لا يؤدي وظيفته بالشكل المطلوب، وصار يقوم بها كإسقاط واجب لا كمهنية واخلاص، وفي المقابل صار الطالب لا يأبه بمعلمه وما يقدمه، وانحرف بتفكيره بعيدًا عن هدف التعليم، كما اوضحته إحصائية إجتماعية بأحدى المدارس الحكومية: “بأن المشاكل بين المعلم والطالب كثرت جدًا، أولًا من جانب الطالب ومستواه المعيشي الصعب أصبح لا يبالي بشيء، وثانيًا المعلم أصبح لا يحمتل ويطيق أكثر تصرفات بعض الطلاب، فيأتي إلينا أكثر من 20 شكوى في اليوم الواحد..”
أين وزارة التعليم؟
وزارة التربية والتعليم، آلت جهدًا بتقديم حلول مشكلة انفطاع الرواتب عن المدرسين، وكان من ضمن تلك الحلول وابرزها هو “صندوق دعم المعلم” والذي جاء كضرورة، في ظل الحرب وانقطاع المرتبات، لتخفيف معاناة المعلمين.. وذلك عن طريق صرف بدل تنقلات للمعلمين والمعلمات الصامدين في مدارسهم والتي كان أخرها عملية صرف بدل التنقلات لشهرين مطلع الأسبوع الماضي، وقد سبق قبل هذا الصرف خلال الفصل الدراسي الأول من هذا العام الصرف لثلاثة أشهر، بإجمالي مبلغ 15 ملياراً و508 مليون و154 الفاً و200ريال، وهذا ما جاء على لسان المدير العام التنفيذي لصندوق دعم المعلم حسين جبل عندما تواصلنا معه.. كما وضح أن ما يتم صرفه ليس شهريًا بل رأس الشهرين أو الثلاثة أشهر ونصف راتب ليس إلا، وسبب ذلك هو أن الوعاء الإيرادي لا يغطي الاحتياج، ولكنهم الآن بصدد توسيع الأوعية الايرادية خاصة خلال هذا العام، ليشمل جميع العاملين في الحقل التربوي، من معلمين، وإداريين وموجهين، ويكون الصرف شهريًا، بحسب الإمكانيات التي ستتوفر للصندوق إن شاء لله..
يعتبر صندوق دعم المعلم، ليس الحل النهائي لمشكلة انقطاع الرواتب، وإنما لسد الحاجة فمع استمرار هذا الانقطاع، تتفاقم حالات العزوف عن مهنة التعليم واستبدالها بمهنة أخرى، أو القعود في المنزل.. فالوقوف أمام عشرين إلى خمسين طالب، ليس بالأمر الهين أبدًا، فالتعليم مهنة تحتاج لتحضير وتنسيق للمعلومة وقولبتها، ثم تقديمها بأساليب عدة لتصل لعقل الطالب بسهولة ويُسر.. وذلك يحتاج جهدًا نفسيًا وبدنيًا، يقابله دخل مادي ودعم معنوي، وهذا ما يفتقده جلّ معلميّ اليمن إن لم يكن الكل.
إرسال التعليق