المتسولون بين الاحتياج والتعود
استطلاع
داهم رجل في الخمسين من عمره يخرج كل صباح للجلوس أمام بوابة جامعة صنعاء لطلب ما تيسر من المارة من مال أو غيره مما يساعده على العيش حيث يقول داهم في قصته : كنت في صحة جيدة وذو قدرة على العمل إلى أن أتى اليوم الذي تعرضت فيه لحادث مروري أدى إلى كسر في رجلي وأفقدني القدرة على المشي بشكل سليم مؤدياً ذلك إلى عدم قدرتي على العودة إلى القرية وذلك لشدة وعورة طرقها فاضطررت إلى استئجار غرفة صغيرة في حي الستين دافعاً إيجارها من المال الذي أحصده من أهل الخير كما أنني ما زلت إلى اليوم أتقاضى في المحكمة مع خصمي الذي تسبب في إعاقتي دافعا تكاليف ذلك من ذات العمل وما زلت إلى هذه اللحظة مستمراً في عملي الذي أراه مصدر رزق سهل بالنسبة لي
يعتبر داهم من بين مليون ونصف المليون متسول في محافظة صنعاء فيما يشكك بعض الباحثين في هذا العدد ويرون أنه أكبر بكثير من ذلك من الذين اتخذوا من التسول وظيفة دائمة لهم إما بسبب فقرهم الشديد أو وجود جهات خفية تقوم بتشكيل عصابات يقومون بمهمة التسول أو لسهولة هذه المهنة بالنسبة للبعض الآخر
ضعف الثقة بالنفس
إن من يقوم بمهنة التسول غالباً ما يكون لديه شعور بانعدام ثقته بنفسه وعدم تقديره لذاته كما أن الكسل يجعله يتجه إلى أسهل الطرق لكسب رزقه فمن وجهة نظره الجلوس في أحد الشوارع للتسول أيسر بكثير من أن يقوم بعمل شاق قد لا يأتيه بنصف ما يحصل عليه من التسول
إيناس فتاة في العشرين من عمرها تحمل بين يديها طفلتها ذات السبعة أشهر أدت بها الحرب في مدينة الحديدة إلى النزوح مع زوجها للعاصمة صنعاء وعاشت هي وزوجها دونما مأوى مما اضطرهم إلى العيش في الخيام المنصوبة على أطراف السائلة
يعمل زوج إيناس في البلدية لكن ما يتم تقديمه لهم لا يغطي احتياجاتهم كما تقول فلجأت إلى التسول في الشوارع بحثاً عن لقمة العيش فهي تخرج كل صباح وبين يديها طفلتها تطلب حاجتها من الناس حتى تستطيع بذلك تغطية ما تبقى من متطلبات أسرتها
مخاطر جمة
إذا ما تمعنا جيداً فإننا سنجد أن أغلب المتسولين قد اعتادوا المهنة فمن الملاحظ أنهم أصبحوا أشبه بالعصابات التي يأخذ كل واحدة منههم جولة معينة أو شارعاً بعينه كما أننا نجد غالبيتهم من النساء والأطفال وقد أوضح لنا الدكتور ” صالح حميد نائب عميد مركز النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء ” أن كثرة انتشار المتسولين في الشوارع له مخاطر كبيرة فإذا تحدثنا عن الأطفال فإن الطفل عندما ينشأ . معتاداً على هذا السلوك الخاطئ فذلك يؤدي إلى تشرده في الشارع مما يجعله عنيفا ولربما يرتكب بعض الجرائم فضلاً عن تركه لمقاعد الدراسة مما يزيد من رقعة الجهل في المجتمع
أما النساء فإنهن يتعرضن لكثير من الانتهاكات والإهانات والبعض الآخر يسلك سلوكاً غير أخلاقي للحصول على ما تريده وقد ينتج عن ذلك انتشار الانحراف السلوكي والأخلاقي في المجتمع وهذا بحد ذاته كارثة كبيرة على المجتمع اليمني
فاطمة امرأة مسنة توفي ولدها تاركاً ثلاث بنات أكبرهن في الثانية عشر من عمرها وأصغرهن في الثامنة دونما معيل لهن مما جعل فاطمة لا ترى حلاً غير اللجوء إلى التسول حتى تستطيع تغطية بعض من احتياجات حفيداتها الثلاث وتقول أن هناك من أعانها وأعطاها شقة صغيرة مجانية لتسكن فيها مع زوجة ابنها المتوفي وبناته كما تقول أنه لولا حاجتها الماسة لما اضطرت إلى مولصلة هذا العمل لشدة كارهيتها لهذه المهنة
إن لم تعطه أنت سيعطه غيرك
أوضح الدكتور ” جميل معليف أستاذ أصول الفقه بجامعة الإيمان سابقاً ” بأن حكم التسول في الإسلام لا يجوز إلا في حالة الضرورة القصوى أو في حالة عدم إيجاد الشخص عملاً قط أو كان عاجزاً عن العمل بسبب إعاقة ما ويقول الدكتور بأن الأصل في الإنسان أن يكون له مهنة يحترفها حتى يستطيع إعالة نفسه وأسرته بها فيما يقع الإثم الكبير على الشخص المستول الذي يتخذ من التسول عادة والواجب عليه البحث عن عمل حتى ولو سافر لمدينة أخرى أو لبلد آخر فذلك خير له من أن يمد يده للناس وإن كان هناك شخص يستحق الصدقة والعون فالمتعفف الماكث في بيته الذي لا يجرؤ على طلب شيء من أحد هو الأحق بالصدقة لأن الجميع غافل عنه أما الشخص للمتسول الذي يجوب شارعاً تلو الآخر فإن لم تعطه أنت سيعطيه أشخاص كثيرون غيرك
قصي وذياب شقيقان أحدهما في التاسعة والآخر في السابعة يخرجان كل صباح للتسول بعد أن أصيب رب أسرتهما بحالة نفسية أقعدته في المنزل تاركاً أولاده يجوبان من شارع لآخر بحثاً عن المال
إن المحزن هنا في الأمر أن ترى طفلين كان المفترض أن يكونا على مقاعد الدرلسة لكنهما اضطرا للتشرد في الشوارع بحثاً عن لقمة العيش السهلة
قاطعنا أحد أصحاب البسطات الذي كان على معرفة جيدة بالطفلين ليطلب منا سؤالهما عن مجموع المبالغ التي يحصدانها كل يوم فتفاجأنا بأنهما يحصلان على عشرة آلاف ريال يمني يومياً ومعنى ذلك أنهما يحصلان على أضعاف المبالغ التي يحصل عليها الموظف المغلوب على أمره
هو إنسان
إن الإنسان المتسول كغيره من البشر له كرامته وعزة نفسه وبعضهم أخبرته الظروف على ذلك كما أنهم يعدون يد اً عاملة نشيطة إذا تم توظيفها بشكل صحيح فمن الواجب على الدولة إنشاء مصانع لتوفير أكبر قدر من الوظائف لهؤلاء المتسولين مما يكفهم عن هذا العمل ولو تمعنا جيداً لوجدنا أنه لولا الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلادنا لما انتشرت هذه الظاهرة بهذا الشكل فقي النهاية تعد ظاهرة سيئة وكثير من الناس أبدوا انزعاجهم الشديد من انتشارها . بهذا الشكل لتعرض غالبيتهم للأذى من بعض المتسولين فقد أصبح المتسول هذه الأيام يريدك أن تعطيه رغماً عنك وبعضهم لجأ إلى تصرفات أخلاقية أضرت بالكثير من أفراد المجتمع
إرسال التعليق