رحلة تحدي انتهت بالوصول للهدف
قصة
” منى” فتاة عشرينية قررت بعد انتهائها من المرحلة الثانوية الالتحاق بإحدى مراكز تحفيظ القرآن الكريم في العاصمة صنعاء ، حيث بدأت رحلتها في رحاب كتاب الله آملة ختمه خلال عام واحد من دخولها المركز المتواجد في حيهم ، وقد كانت بدايتها ليست كما كانت تحلم فلم تستطع حفظ سوى ثمانية أجزاء. في أربعة أشهر ؛ ويرجع ذلك إلى ضيق وقت المعلمة إضافة إلى ذلك الأعداد الكبيرة الموجودة في الحلقة من الطالبات.
وفي إحدى الأيام أتتها مديرة المركز لتقترح منها الالتحاق بحلقة جديدة لإكمال حفظ القرآن في ستة أشهر فقط من خلال الحفظ المكثف فلم تردد أبداً في الموافقة لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من رحلتها في حفظ كتاب الله .
صعوبات مجهولة
انتقلت منى لدى معلمة جديدة لكنها تفاجأت عندما وجدتها تركز على أبسط مخارج الحروف التي لم تكن تفقه شيئاً منها أُصيبت منى بالإحباط الشديد ؛ لكونها الوحيدة التي لم تكن تعرف أدنى فكرة عن مخارج الحروف بحكم الفترة القصيرة التي انقضت منذ التحاقها مقارنة بالطالبات الأُخريات اللاتي مضى على وجودهن في المركز سنوات عديدة وبدل أن كانت تحلم في إكمال خمسة أجزاء في الشهر الواحد لم تستطع حفظ سوى جزأين في شهربن برغم محاولتها فهم مخارج الحروف والتدرب عليها حتى أتى الوقت الذي استطاعت فيه استيعابها تدريجياً لكن أملها في ختم كتاب الله في الفترة التي تم تحديها بدأ يتلاشى شيئاً فشيئا .
قررت معلمة منى السفر لمدة شهر كامل لأداء مناسك العمرة لتأتي مكانها معلمة أخرى كانت أكثر يُسراً في معاملتها فلم تكن بذلك الحزم الشديد الذي كانت عليه معلمتها السابقة مما جعلها تكمل حفظ سبعة أجزاء في شهر واحد فقط مع حفاظها على بعض مخارج الحروف التي كانت قد تعلمتها من معلمتها السابقة فقد ظلت تداوم على حفظ ومراجعة القرآن بطريقة ممتازة فهي لم تكن كأي طالبة عادية فقد كان يهمها أن تحفظ بشكل صحيح ، ووصلت إلى الجزء السابع عشر حيث كانت تحفظ هذه الأجزاء كلها عن ظهر قلب .
مرض أم حسد !؟
مرت الأيام لكن منى في تلك الفترة لم تكن تشعر بأنها على ما يرام ، فلم تعد تستطيع حفظ آيات الله بنفس اليسر ، فكلما حفظت آية شعرت بثقل في صدرها وضيق تنفس والآيات التي تتلوها بين يدي معلمتها كانت تكملها بشق الأنفس إلى أن أتى اليوم الذي سقطت فيه منى على الأرض مغمىً عليها وكلما أفاقت لا تلبث سوى بضع دقائق ثم تسقط مرة أخرى على نفس الحال هرع أهلها بأسعافها إلى المستشفى لكن دون جدوى فقد كانت في كل مرة تذهب فيها لتعرف ما بها يتم إخبارها بأنها سليمة ولا تعاني من أي مرض لتعود إلى البيت وهي لا تعلم سبب كلما يحدث لها .
استأنفت منى مواصلة حفظها لكنها تفاجأت بأنها لا تقوى على الحفظ ولا حتى مراجعة حفظها السابق فكانت لا تكاد تتذكر آية مما حفظت سابقاً فأدركت حينها إصابتها بالحسد وقررت بعدها مداواة نفسها بنفسها ورأت أن التوقف عن الحفظ والعودة لتثبيت الأجزاء السابقة هو الحل الوحيد مع كامل قناعتها ورضاها بما كتب الله لها .
الإصرار للوصول
ومرة أخرى عادت مديرة مركز التحفيظ لتخبرها بأن المركز يريد إقامة احتفاله السنوي بالحافظات بعد شهر ونصف وتود أن تكون واحدة منهن ترددت كثيراً لأنها لم تكن بصحة جيدة فقد كانت لا تزال تشعر بالتعب الشديد ففكرت قليلاً ثم أدركت أن الفرصة لا تأتي مرتين في العمر مما جعلها تتحدى مرضها وتقرر المواصلة في حفظ ما تبقى لها في المدة المحددة لها وفي الوقت ذاته تعيد مراجعة ما فاتها.
عادت منى لتكافح من جديد أقفلت أذنيها عن كل الانتقادات التي وُجهت لها فقد كانت تؤمن بنفسها بأنها حتماً ستصل لا محالة وأن الله لن يخيب ظنها حيث وضعت لها خيارين لا ثالث لهما وهما إما أن تنجح أو تنجح والفشل لا مكان له في مسيرتها ، وفي الوقت ذاته كان الجميع يراهن على فشلها فقد كانوا يرون أنه من المستحيل استطاعة شخص إكمال ثلاثة عشر جزءًا في شهر فقط وبالأخص إذا كان في مثل حالها .
واصلت منى كفاحها ليس لتثبت لأحد نجاحها وإنما لأجل ذاتها فقد كان طموح حفظ كتاب الله يراودها ليل نهار إلى أن أنهت سورة آل عمران ، وفي حين وصولها إلى هذه المرحلة شعرت بأنها قد استنزفت كل طاقتها واجهدت نفسها بشكل غير معقول لتؤمن في تلك اللحظة بأنها غير قادرة تماماً وليس لديها الاستعداد لإكمال ما تبقى لها من حفظها .
بكاء السماء فرحاً معي
أُصيبت منى لحظتها بالإحباط واليأس الشديد لكن معلمتها كانت خير سند لها فقد ظلت تساندها وتقسم بنجاحها مهما كانت الظروف المحيطة بها إلى أن استطاعت اقناعها بأن تكمل بقية حفظها بأكمله فأتمت حفظ سورة البقرة المتبقية لها في ثلاثة أيام فقط ليأتي بعدها اليوم المنشود اليوم الذي لطالما حلمت به منى لطالما تمنته لطالما رأته في كثير من الأحيان ضرباً من المستحيل .
أخيرا جاءت لحظة دعاء الختم التي تمنت منى من الله بأن يجعل السماء تبكي معها فرحاً بهذا الانجاز العظيم في حياتها في تلك اللحظة فاستجاب الله دعائها وقرأت منى آخر آيتين من كتاب الله فشاركتها السماء فرحتها وشعرت لحظتها بأنها ولدت من جديد .
إرسال التعليق