جاري التحميل الآن

التعليم في اليمن  : تدهور متزايد ومعاناة مستمرة وجيل ضائع

التعليم في اليمن  : تدهور متزايد ومعاناة مستمرة وجيل ضائع

 تحقيق استقصائي حول انتشار المعلمين المتطوعين في المدارس الحكومية وتأثيرهم على سير العملية التعليمية في اليمن :


” مجاهد أحمد ”  طالب في المرحلة الثانوية يقول : لا يمكن المقارنة بين  المعلم الثابت والمعلم المتطوع فمعلمي  الأساسي لديه إلمام كبير بالمادة التي يدرسها وكذلك يمتلك طرقاً مختلفة لتوصيل المعلومة بشكل أفضل لنا  بينما معلمي  المتطوع صحيح أنني لا أستطيع  نكران أن  بعضاً  منهم لا بأس به  ولكنه لن يصل  إلى مكانة المعلم الجيد وذلك لعدة أسباب أهمها ضعف  إحاطته بما يحوي   المنهج من دروس ومعلومات وخاصةً أن كثيراً منهم      لم يكمل  مرحلته الجامعية

 إننا كطلاب في المرحلة الثانوية نواجه عدة صعوبات ومعوقات كعدم شرح المنهج بالطرق الصحيحة خصوصاً  في المواد  العلمية وكذلك عدم التزام المعلم المتطوع بعمله كما يحب في أدائه للعملية التعليمية فغالبيتهم يغطي فقط الحصص دون وجود الفائدة العلمية التي يمكننا أن نحصل عليها   منه وشحة توفر الكتاب المدرسي كانت من أكبر التحديات  لنا فنحن نرجو من الجهات المختصة توفيرها لنستطيع استيعاب المواد بشكل أفضل .
هكذا عبر الطالب “مجاهد” عندما تم سؤاله عن رأيه في وجود المعلمين المتطوعين في المدارس الحكومية  ولم يكن هذا رأيه بمفرده فكثير كان لهم آراء كثيرة وغالبيتها تصب في رأي مجاهد
فالطالب  ” محمد عبد الرحيم ” يرى  :أن ن المعلم الأساسي أفضل من غيره برغم كل المقارنات فهو يمتلك  الخبرة الكافيةلإيصال المعلومات بشكل جيد  ،بينما المتطوع وبرغم  بذله   كثيراً من الجهد  ولكن  لا يمكن أن يصل إلى مكانة وكفاءة  المعلم الأساسي

ويقول محمد : إن المعلم المتطوع في بعض الأحيان لا يستطيع تفسير المصطلحات العلمية الموجودة في المواد العلمية رغم بذله جهداً كبيراً في ذلك وكذلك فإن بعضهم لا يستطيع تحضير الدروس بالطريقة المطلوبة  كما أننا نجدهم في كثير من الأحيان  يتعمدون وضع اختبارات صعبة   وكأننا نتعلم لدى أرقى وأكفأ المعلمين .
 إن التعليم في بلدنا  يزداد سوءً يوماً بعد يوم فتأمل إرجاع المعلمين الأساسيين ورجوع مستوى التعليم كما كان .

رأي مختلف

أما الطالبة  ” سارة وليد ” التي تدرس في مدرسة بلقيس بالمرحلة الثانوية  فتقول : أرى وجود المعلم المتطوع شيئاً إيجابياً في مدارسنا الحكومية فالمتطوع لديه شغف للتدريس بحكم صغر سنة وما زال يمتلك طاقة كبيرة لتحمل الطالب 
وأنا بالنسبة لي لم أعرف أن بعض معلماتي  متطوعات  إلا عندما أخبرننا هن بذلك ولم تواجهني أي صعوبة في تدريسهن لنا  فغالباً ما يقدمن لنا نصائح قيمة تفيدنا  في حياتنا . 

وعن  وجهة نظر ” حماس صالح ” طالبة في الصف التاسع بالمدرسة الحديثة قائلة  : لا يهمني إن كان  معلمي  أساسياً أم متطوعاً بقدر ما يهمني مدى قدرته على التدريس بشكل جيد وقد رأيت بعضاً من  المعلمين المتطوعين يمتلك قدرة كبيرة في توصيل المعلومة ولديه أسلوب جذاب في الشرح والتوضيح وكذلك في التعامل معنا  لكن بعضهم وخاصة ممن يكون فقط متخرجاً من  الثانوية العامة لا يستطيع الإلمام في شرحه بكل النقاط الموجودة في الدرس كما أن هناك كارثة أخرى وهي وقوع كثير منهم في الأخطاء الإملائية عند كتابتهم على السبورة مما يؤثر سلباً على مستوى الطالبات وخاصة ذوات  المستوى المتدني ولكن مع كل ذلك أنا ممتنة لكل معلم أساسياً  كان أم متطوعاً فهم يبذلون لأجلنا جهوداً جبارة  فكل الحب والاحترام لهم جميعاً
أما  ” رابعة عبدالله ” طالبة في الصف الثاني الثانوي بالمدرسة الحديثة  فتقول  : أجد صعوبة في فهم  شرح المعلم المتطوع  فغالبيتهم يكتفي بكتابة عناصر الدرس أثناء الحصة  وإذا قمت بسؤالهم عن نقطة ما لم تفهمها يتهرب ويؤجل الإجابة عن السؤال لوقت لاحق  أما المعلم الأساسي فإن له أساليب متميزة في شرح الدروس وضبط الفصل وغيرها  من أساليب التدريس الصحيحة ولكن مع ذلك نجد كثيراً من المعلمين الثابتين يتهاونون عن القيام بعمله مقارنة بما  كان عليه  في السابق
 ويرجع ذلك إلى انقطاع الرواتب منذ بداية الحرب   فقد لجأ  كثيرٌ  منهم إلى الالتحاق بالمدارس الأهلية للتدريس فيها مما يؤدي إلى تقصيرهم  في المدارس الحكومية ولكن مع ذلك فأنا أفضل وجود المعلم الأساسي لأنه لا  يمكن أن يحل محله المعلم المتطوع بأي حال من الأحوال .

تفاوتت  آراء الطلاب بين من كان مرتاحاً لوجود المعلم المتطوع وبفضله على الثابت وبين من كان مستاءً من وجودهم ويرجو عودة  معلمه السابق ولكن أبرز مشكلة يعاني منها الطلاب إجمالاً  في المدارس الحكومية كانت عدم توفر الكباب المدرسي فقد كانت هذه المعاناة هي أكثر منغص بالنسبة لهم .

 شهادة  خبرة

هكذا عبرت العنود علي ” معلمة متطوعة ” لمادة الرياضيات في مدرسة المحضار   قائلة  :  إن التحاقي  بالتدريس التطوعي كان فقط  لأخذ شهادة  الخبرة و كسر حاجز الخوف من خلال مقابلة عدد كبير من الطلاب  وقد لاقينا  تقبلاً  كبيراً من الطلاب  فأنا دائما ما  استخدام الوسائل الحديثة  لتوصيل المعلومة للطلاب  وقد استطعت اكتساب الخبرة في  كيفية  التدريس  وتحضير الدروس من خلال متابعتي لأختي التي كانت  معلمة ومتخرجة من كلية التربية .
إنني منذ  صغري أحلم  بأن ن أكون معلمة وقد استطعت بفضل الله الوصول لذلك وقد  واجهتني صعوبة بالغة لم تكن من الطلاب بل كانت من الكادر التدريسي نفسه فهم يعتبروننا سبباً في انقطاع رواتبهم لعدم  قيامنا بالإضراب معهم في بداية العام الدراسي كما أن كثيراً منهم نجده مستاءً جداً  لوجودنا وقد أدى ذلك في كثير من الأحيان  إلى حدوث العديد المشاكل فيما بيننا نحن والمعلمين الثابتين برغم بذلنا جهوداً كبيرة في عملنا فنحن نود توصيل المعلومة للطلاب بشتى الطرق الممكنة لكننا لا نرى تقديراً لجهودنا سواءً من قبل الأهالي أو المعلمينن برغم حرصنا الشديد على استمرار  العملية التعليمية ولا يرضينا أن تغلق المدارس الحكومية بسبب غياب المعلمين الثابتين فنرجو من مدراء المدارس تقدير جهودنا وأن يخافوا الله فينا .

أما فردوس فرحان ” معلمة متطوعة ” لمادة الاجتماعيات بمدرسة المحضار  تقول  : بعد تخرجي من الثانوية لم أستطع  اكمال  دراستي الجامعية  فلجات  إلى  الالتحاق بالتدريس التطوعي لملء وقت الفراغ و لنيل شهادة الخبرة حيث أننا  تلقينا وعوداً كثيرة بتثبيتنا كمعلمين أساسيين حالما استقر الوضع في  البلاد  وهذا ما يطمئننا أكثر  لأننا بهذه الوعود نضمن عدم تخلي المدارس عنا في حال توفر الرواتب وعودة المعلمين الثابتين حيث أن أكثر ما يؤلمني في عملي التطوعي
  عدم تقبل المعلمين الثابتين لنا واتهامهم  لنا بأننا نحن سبباً في ضعف العملية التعليمية مع أننا نعتبر  أنفسنا منقذين  للتعليم فلولا وجودنا لأغلقت المدارس الحكومية ولما استمرت عملية التعليم إلى يومنا الحالي

متطوعون ذو خبرة وكفاءة

كان ممن  قابلنا معهم من المعلمين المتطوعين  خريجون وأصحاب خبرة  عالية في مجال التدريس  ولكنهم لم يُمنحوا فرصة الحصول على  درجات وظيفية  فكان منهم :
الأستاذة رحيمة ” معلمة اللغة العربية في مدرسة الأقصى الشريف الحكومية   ” فتقول  : إذا التحق كل معلم  بالمدارس الأهلية وترك المدارس الحكومية  فمن سينظر لحال الطلاب  ذو الدخل المحدود  وأقول لكم أحب مهنة التدريس وأود أن أقدم للطلاب كل ما لدي من خبرة ومعلومة  ولا يهمني إن كان هناك مقابل أم لا وما جعلني التحق بالتدريس التطوعي هو أن  المدارس الحكومية  دائماً ما تكون متعاونة مع المعلم وتراعي ظروفه بعكس المدارس الأهلية التي يتوجب عليك الالتزام بكافة شروطها في كافة أحوالك .
لقد استخدمت وسائل خاصة بي مبتكرة وجديدة لايصال المعلومة أثناء الشرح بشكل أفضل للطلاب وقد لاقيت حباً للمادة من قبلهم فالطالب في زمننا الحالي يبحث عن طرق جاهزة لأنه لا ا طاقة له في التفكير ويرجع ذلك إلى كثرة تعرضه للإنترنت وتضييع أوقاته  عليها  .
إن أبرز ما نلاقيه  من صعوبات أثناء العملية التعليمية هو شحة
توفر الكتاب وهو أكثر ما يعرقلنا أثناء تدريسنا كما أنه ظهر في

الآونة الأخيرة  انتشار السرقة بين الطالبات بشكل كبير ونحن نعلم أن ذلك يعود إلى تردي الوضع المعيشي للأسرو أنا كمعلمة  أرجو من الأهالي متابعة بناتهم في مستواهم التعليمي فغالبيتهم لا يعرف عن ابنته  سوى أنها في المدرسة كذا  دون معرفته بمستواها التعليمي أو حتى سلوكها في المدرسة فنحن نأمل  منهم التعاون معنا ونضع أيدينا بأيدي بعضنا حتى نستطيع الوصول بالطالب إلى التعليم الصحيح المفيد له

تواصلنا مع معلمة متطوعة أخرى أيضاً هي من ذو الكفاءة والخبرة وتمتلك  شهادة جامعية وقد فضلت عدم ذكر اسمها فقالت : صحيح أنني أكملت دراستي الجامعية لكنني لم أفكر في ممارسة مهنة التدريس إلا عندما رأيت ابنتي فقد كان من الصعب عليّ أن أراها بدون معلمة فقمت بالالتحاق بالتدريس التطوعي لأني لم أرد لأبناء  الأسر  الفقيرة أن يوضعوا في نفس موقفي  فالمعلم هو صاحب رسالة يجب عليه تأديتها في كافة الظروف فإن لم نقف  نحن ونحارب من أجل العملية التعليمية خشية نشوء جيل فاشل لا يفقه شيئاً فمن ذا الذي سيقف

حل اضطراري …  وسلبيات كثيرة 

كان لا بد لنا من معرفة مدى تقبل المعلمين الثابتين الذين ما زالوا متواجدين في المدارس الحكومية للمعلمين المتطوعين فكان منهم :
الأستاذة أسماء فرحان ” معلمة مادة الرياضيات في مدرسة الأقصى الشريف ” فقد قالت بشأن موضوع المعلمين المتطوعين:  إن وجود المعلم المتطوع قد غطى “70 % ” من العجز الحاصل في المدارس الحكومية نتيجة ترك كثير من المعلمين الثابتين لهذه المدارس ولولا وجود المعلم المتطوع لأغلقت المدارس الحكومية وتوقفت العملية التعليمية  لكنه برغم  تغطية المعلم  المتطوع للعجز  في المعلمين لكن قلة خبرته وكفاءته قد أثرت سلباً على العملية التعليمية فكثير منهم يفتقر لأبسط المقومات التي تعينه على التدريس فقد تجد معلماً متطوعاً للغة العربية  يخطئ في الإملاء أو معلمة للرياضيات لا تعرف ما هو ” المخروط  ” فأنى لهذا العلم أن يفيد غيره إذا كان هو لا يملك المعلومة الكافية
وما يزعجني أكثر هو  استهتار بعض المعلمين المتطوعين في التعامل مع الطلاب مما أدى إلى  ضعف  تقدير  الطالب   للمعلم  فقد ترى بعض المعلمات المتطوعات  تتصرف مع الطالبة وكأنها صديقتها تمزح  وتضحك معها  وقد تتسابق الاثنتين في الجري في باحة المدرسة وغيرها من التصرفات التي لا تليق بمقامها كمعلمة  فبهذه التصرفات نتج عنها  ضعف استجابة الطالب للمعلم  ولكن هناك نقطة أود الإشارة إليها هي  أن وجود معلم حديث شغوف لديه همة وطاقة كبيرة لتعليم   الطلاب هو أفضل من المعلم الثابت ففي بعض الأحيان تجد أن المعلم الثابت قد مضى عليه وقت طويل وهو يدرس  مما قلل من  رغبتهم  في التدريس. وخاصة مع انقطاع المرتبات  والبعض الآخر يكون  كبيراً في السن فأصبح  لا يقوى على  الوقوف طويلاً لمرض ما يعاني  منه فنجد أن وجود معلمين جدد هو أمر إيجابي ولكن إما أن يكونوا من ذوي الخبرة والكفاءة ممن لديهم تعليم  جامعي  أو  ممن هم متطوعون بشرط  إقامة دورات تأهيلية مكثفة لهم حتى يصبحوا قادرين على هذه المهمة .
أما الأستاذ ” مهيوب عبد الكريم ” فقد أوضح لنا قائلاً :  اعتبر وجود المعلم المتطوع أمراً سلبياً  على  العملية التعليمية وذلك
 لافتقارهم إلى الخبرة والكفاءة المطلوبة فما فائدة وجود معلم يقوم  بتغطية الفراغ الموجود في المدرسة دون أن يغطي الفراغ الموجود في العقول فمثلاً  إذا تحدثنا عن الصفوف الأولى فسنجد أنها تشكل أهم مرحلة  ولكن عندما يتولى تدريس  هذه المرحلة معلم غير كفء فهذه تعتبر كارثة فكثير من الطلاب يصل إلى الصف الرابع ومع ذلك لا يستطيعون الكتابة والقراءة على النحو المطلوب  فهنا تكون كارثة على العملية التعليمية بحد ذاتها .
إن وجود المعلم المتطوع أصبح أمراً واقعاً يستلزم علينا تقبله لعدم وجود بديل يسد الفراغ الموجود في المدرسة  والأصل أن لا يتم قبول معلم متطوع في مدرسة ما إلا بعد اختبار مدى كفاءته وهل يصلح للانخراط في العملية التعليمية أم لا ؟ و في هذه الفترة نضطر لقبول المعلم المتطوع برغم ضعف كفاءته وخبراته لأنه لا يوجد لدينا حل آخر  وفي النهاية يكون الطالب هو المتضرر الوحيد   فعندما لا يحصل    على  التعليم  الجيد  تجده يتهرب من المدرسة وينفر من التعليم .

نحن لا ننكر الجهد الكبير المبذول من قبل المعلم المتطوع لكن من المفترض أن يتم تأهيلهم وعمل دورات مكثفة لهم بحيث يصبحون قادرين على أداء المهمة التعليمية كما يجب .

الأستاذ علي عليان ” مدرس مادة الاجتماعيات في مدرسة المحضار ” فقد  ررأىأنه  لا يمكن إلقاء  اللوم كله على المعلم المتطوع بشأن ضعف العملية التعليمية فهناك أسباب ً كثيرة أدت إلى ذلك منها ،  ازدحام الفصول الدراسية بعدد كبير من الطلاب مما يؤدي إلى  عدم قدرة  المعلم على  تمييز الطالب الضعيف من غيره  للتأكد من مستواه الدراسي و انعدام الكتب مما يضطرنا لشراء أقلام  من حسابنا الخاص لنقل كلما في الكتاب إلى السبورة حتى يستطيع الطالب المذاكرة كما أن لصعوبة المنهج دور في الضعف الحاصل في العملية التعليمية  فالطالب ليس جهازاً آلياً حتى يستطيع الطالب استيعاب كل ما في المنهج    ولا ننسى أن الاهمال الحاصل من قبل مكاتب التربية له دور  كبير في ضعف العملية التعليمية فمن المفترض أن تقوم بعمل دورات تأهيلية لكافة المعلمين سواء الثابت منهم أم المتطوع .
إننا نأمل من الله عز وجل أن  يهيء لنا قيادة رشيدة حتى تستطيع أن تصل بالبلاد  إلى بر الأمان وبالنسبة لنا نحن المعلمون ينظل نكافح من أجل الحفاظ على استمرار التعليم فهذا أقل واجب يمكن أن نقوم به تجاه وطننا في هذه الظروف الصعبة .

أما  الأستاذة تهاني ” معلمة  مادة اللغة العربية في مدرسة الحديثة  ” فقد أضافت قائلة  : إن أكثر الصعوبات التي تواجه المعلمين  الأساسيين  هو   تخوف العديد  منهم  من  ضياع حقوقهم وعدم المطالبة  بها ظناً  منهم بأن المعلم المتطوع  قد يسد   فراغهم  إن  تغيبوا وعموماً كثرة    المعلمين المتطوعين في المدارس  قد يمنع  الكثير من  الجهات  من تقديم الدعم للمدارس بحجة كثرة العدد ووجود معلم متطوع في المدارس لا يشكل أي مشكلة لكن من الأحرى أن يتم توظيف الطلاب الخريجين من الجامعة فهم الأقدر على  القيام بالعملية التعليمية بشكل أفضل .

تواصلنا مع عدة معلمين فكان رأيهم مشابهاً لما ذكرنا سابقاً  ولكن أضافت لنا ” الأستاذة ناهد معلمة مادة الأحياء ” قائلة :  إن  أكثر ما  يضايقنا نحن  كمعلمات أساسيات  هو أننا نجد مثلاً معلمة متطوعة كانت قبل  بضع سنوات طالبة لدينا لكن مع ذلك نجدها تتعامل معنا نحن معلماتها اللاتي قمنا بتدريسها وكأننا زميلات لها  تخرجنا معها  في  العام ذاته  وهذا الأمر غير مقبول بالنسبة لنا .

الانتشار الهائل ….كارثة

قمنا بالتواصل  مع عدة مدراء  في المدارس الحكومية لمعرفة رأيهم في كثرة انتشار المعلمين المتطوعين فكان ممن تجاوب معنا :
الأستاذة “هدى ” مديرة مدرسة الأقصى الشريف الحكومية للبنات  فقد أوضحت لنا قائلة : لدي في المدرسة ما يقارب سبعة عشر معلمة متطوعة لكنني دائماً ما اختارهم بعناية فعند تقدم معلمة متطوعة  للمدرسة يتم عمل اختبار لها من قبل الموجه المقيم في المدرسة حتى يتم قياس مدى خبرتها وكفاءتها وإذا ثبت لنا عدم صلاحيتها للتدريس يتم استبعادها بطريقة مؤدبة  حتى لا نتسبب لها بالإحراج ولا ننكر أن لدينا في هذه المدرسة معلمين متطوعين ذو خبرة وكفاءة وكثير منهم حاصل على الشهادة الجامعية  لكن في بعض   الأحيان نضطر لقبول بعض المعلمين المتطوعين  مع افتقارهم للخبرة المطلوبة وذلك لعجز المدرسة عن إيجاد البدائل و من السلبيات التي أراها في  بعض المعلمين المتطوعين  هو عدم قدرته  على احتواء الطالب لتقارب العمر بين المعلم المتطوع والطالب فنرى في كثير من الأوقات بعض  التصرفات التي لا تليق بهن كمعلمات مما اضطرني إلى مراقبتهن بشكل دائم حتى يتم الحد من هذه التصرفات الخاطئة
إذا ما نظرنا جيداً فإننا نجد أن  السبب الرئيسي في كثرة انتشار المعلمين المتطوعين في المدارس الحكومية  هو انقطاع الراتب  وهذا أدى إلى حدوث احتكاكات كثيرة بين المعلمين الأساسيين مع المتطوعين لاعتقاد المعلمين الأساسيين بأن المعلم المتطوع  قد استطاع أخذ مكانته ونحن بدورنا  نرجو عودة الرواتب حتى يتم عودة المعلمين الثابتين الأكفاء وكذلك عودة العملية التعليمية الجيدة .

أما الأستاذة ” فائقة البواب ” مديرة المدرسة الحديثة  أوضحت لنا  بأن  لديها  في المدرسة ما يقارب “37 ” معلم متطوع وهو كارثة بالنسبة لها لكن  وجود هذا  الكم الهائل  في المدرسة هو  أمر اضطراري فمع اهمال  كثير من المعلمين الثابتين للمدرسة وتركهم للعملية التعليمية  اضطروا لقبول العدد الكبير  من هؤلاء المعلمين  وعند استقدام معلم متطوع  يتم  اختياره وتقييم أدائه من خلال شرحه لأحد الدروس ثم بعد ذلك يتم قبوله أو رفضه .
وقالت أيضاً : إننا نقوم بعمل  تقييم شهري للمعلم المتطوع من خلال دخول الموجه المقيم  إلى الفصول التي يدرس فيها  المعلم المتطوع والاستماع إلى شرحه مرة في كل شهر كما أننا نحاول إقامة العدالة في التعامل بين المعلم المتطوع والمعلم الثابت لتجنب أي احتكاكات  أو  مشاحنات قد تحصل بينهم وبفضل الله الأمور تسير بشكل جيد ومع ذلك فإن ضعف خبرات المعلم المتطوع هي صعوبة تواجهنا فبعضهم لا يعرف كيف يتعامل مع الطلاب أو كيف بقوم بتحضير الدروس وغيرها من متطلبات التعليم .

أما الأستاذ ” أمين مهدي ” مدبر أحد مدارس الطلاب الحكومية  فقد أخبرنا بأن وجود المعلم المتطوع لديهم في المدرسة نعمة كبيرة حسب وصفه وأضاف بأنهم يقومون بدورات تأهيلية للمعلمين المتطوعين تحت إشراف إداري  لكننا عندما سألنا  بالمعلمين المتطوعين لديهم في المدرسة  نفوا هذا الكلام وأخبرونا  بأنه لا  تقام لهم أي دورات تدريبية وحتى لو أُقيمت لهم دورات فإنها تقام دورة  واحدة ٠في العام  أو العامين

حاولنا جاهدين التواصل مع مكتب التربية التابع لمنطقة شعوب في العاصمة صنعاء المشرفة على المدارس الحكومية التي قمنا بتغطيتها لكنهم في كل مرة كانوا يقابلوننا بالرفض  برغم  التزامنا بكل  الأمور  المطلوبة وبعد محاولات عديدة تم التجاوب معنا من قبل “نائب مدير المنطقة التعليمية  للمديرية شعوب الأستاذة : ” أمة الحليم المتوكل” حيث قالت : قد تختلف الدوافع لدى المعلمين المتطوعين ، فمنهم من كان الدافع لديه هو استشعاره المسؤولية والقيام بدوره المجتمعي في المحافظة على جبهة التعليم مستمرة وصامدة برغم الظروف الحاصلة  ، ومنهم من كان الدافع لديه هو الأمل في الحصول على التثبيت في سلك التعليم إن استمر في التدريس لعدة سنوات ، والبعض دفعتهم الحاجة للمبالغ المادية البسيطة التي يحصل عليها المعلمين من المشاركة المجتمعية ، أو الحافز، وكذلك عدم كفاية المعلمين الثابتين خاصة بعد انسحاب الكثير منهم للتدريس في المدارس الأهلية.
 وأضافت قائلة : لا يصح غض النظر عن حاجات المعلمين ، ولابد من تقدير جهودهم  في هذه الظروف العسيرة وتوفير ولو جزء من رواتبهم شهريا ، كما أنه لا علاقة للمتطوعين بانقطاع الرواتب  اطلاقاً   وحتى يتم النهوض بالعملية التعليمية من جديد يجب الاهتمام بتأهيل المعلمين و الإداريين و إعدادهم لاستخدام التكنلوجيا الحديثة، كما يجب  ضمان حياة كريمة للمعلم بتخفيف فترة خدمته ،  و تنويع مهامه ، كما أن لتحسين البيئة المدرسية بالتوسع في بناء المدارس و توفير الوسائل التعليمية المناسبة دور كبير في النهوض بالتعليم فلا يمكن لمعلم أن يستطيع توصيل المعلومة لسبعين طالباً مهما كانت قدرته وكفاءته  كما يجب الاهتمام بالتقييم في كل جوانب العملية التعليمية لتحسين الأداء  وإدخال التكنولوجيا في التعليم. وتشجيع الهجرة المعاكسة من المدن الى الأرياف ، ومشاركة أولياء الأمور و المجتمع في عملية التعليم لسد الفجوات التعليمية.

الفقر ، الفقر

هكذا ردت الدكتورة ” سعاد سالم السبع ” أستاذ المناهج وطرائق التدريس بكلية التربية في جامعة صنعاء  عندما قمنا بسؤالها عن  سبب انصراف الطلبة عن التعليم  وضعف اهتمامهم وقد أوضحت قائلة : الفقر والفقر ، والفقر  وثقافة رفع الجهلاء على المتعلمين وضعف الاهتمام بجودة التعليم وهبوط مكانة العلماء والمعلمين وانقطاع الرواتب  وفساد الذمم في منح الشهادات والتقديرات لمن لا يعلم على حساب من يعلم ، وشيوع ثقافة الغش والفهلوة والنفاق على حساب القيم النبيلة.
فهنا الشباب يلاحظون الواقع   وضياع مكانة العلم والعلماء في الدولة و المجتمع وثقل لمن يتعلم فزهدوا في التعليم وانصرف بعضهم لأمور غير التعليم، بل وقد تكون ضارة بهم وبالمجتمع.  
إن المعلم هو قائد بناء الأجيال وصانع العقول والمهارات والأخلاق ولذلك يلزمه العلم والخبرة والأخلاق حتى يؤثر تأثيراً إيجابياً في طلبته. فلا بد أن يبدأ بالدراسة اولاًثم يمارس ما درس ممارسة ميدانية فيكتسب الخبرة ولا يتوقف عن الدراسة وتطوير ذاته وكل ذلك يجب أن يكون محكوماً بقيم القدوة الصالحة لأن المعلمين منتجهم الإنسان وليس غيره ولذلك أي انحراف في أخلاقهم سيدمر أجيالاً ولا يستطيع المجتمع تصحيح آثارهم إذا كانت سلبية .
وقد  قال الشاعر :
 وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة && جاءت على يده البصائر حولا.

إعادة المكانة والراتب

إن النهوض بالتعليم يحتاج قراراً سياسياً صادقاً يبدأ بإعادة مكانة المعلم للصدارة وصرف الراتب واختيار الأكفاء للتعليم وتطوير المناهج وتوفير الإمكانات وتشجيع المجتمع على التعليم الحقيقي ومحاربة فساد التعليم بكل أشكاله فالدولة القوية أساسها التعليم وحيث لا يوجد تعليم جيد لا يوجد شعب مشارك في التطور والتقدم ولا توجد دولة تقود المجتمع للتنمية الحقيقية.

خلاصة القول:

إن كل ما حدث للعملية التعليمية من ضعف وتدهور سببه الرئيسي هو انقطاع الرواتب فلولا ذلك لما ترك المعلم الأساسي مكانه في التعليم حتى يبحث له عن عمل آخر يعيله هو وأسرته  ولولا  انعدام الرواتب لما اضطرت المدارس الحكومية لاستقدام معلمين متطوعين تنقصهم الخبرة المطلوبة  وإن كان لا بد من وجودهم فكان من الأجدر توظيف المعلمين الذين لم يحصلوا على درجات وظيفية منذ تخرجهم 

إن ما حصل للتعليم من تدهور لن تكون أضراره إلا على الطالب الذي نشأ في بيئة لا تقدس العلم والتعليم وربما قد يترك الطالب المدرسة لعدم وجود ما يحفزه ويحثه على الاستمرار فيها وكل هذا قد يؤدي إلى نشوء جيل فاشل يفاقم من سوء التعليم حاضراً ومستقبلاً .

إرسال التعليق