الحوادث المرورية في اليمن… ملح يوسّع الجراح
–تقرير-
لن يكون اليمن هو اليمن إذا مر يوم بسلام تام عليه، بلا أي موت أو فاجعة..
فمنذ عهود قديمة وهو لا يهجع من صوت آذانات الحرب وبطشها، ولكل عهد نكهته المختلفة والأشد وطأة.
ولكن ليست الحروب المتعاقبة وحدها العدو، فهناك قاتل فتّاك آخر، مع عدم إغفال القتلة المألوفين أمثال الأمراض والأوبئة والفقر المعتبرين غالباً من تبعات الحروب وأعراضها الشائعة، مع هذا، هناك عدو من نوع آخر ألا وهو (الحوادث المرورية) التي نستطيع وصفها بالقاتل الأشد غدراً حول العالم..
وكعادة اليمن الذي يحتل المراكز الأولى في كل مأساة وكارثة نراها في العالم، فإن العديد من المطلعين يؤكدون أنه من شبه المستحيل أن تسمع عن يوم في اليمن بلا أي حادث مروري!
ضحايا
“مالك عبدالله” ثلاثة أعوام، نجا بأعجوبة من حادث مروّع فقد على إثره جميع أفراد أسرته.
وقعت الحادثة في منطقة “نقيل ضلاع” النقيل الذي يُعرف عنه أنه من أشد المنحدرات خطورة ووعورة، حيث كانت العائلة يومها عائدة من إحدى المستشفيات رفقة الطفل مالك، كانت الأمطار تهطل آنذاك، ورجحت المصادر أن السائق فقد السيطرة على المكابح ما أدى لانزلاق السيارة من أعلى المنحدر حتى ارتطمت بالقاع.
عندما هرع المسعفون إلى المكان وجدوا أن السيارة وكل من عليها قد تحولوا لكومة من الحطام ما عدا الطفل ذو الأسبوع الذي وجدوه جانباً دون أن يتعرض لخدش واحد في واقعة وصفها الجميع بالمعجزة الإلهية.
حادثة أخرى لعروس من تعز كانت “أحلام سرحان” في خضم فرحة العمر، ذاهبة مع عريسها لقضاء شهر عسلهم في عدن.. باغتهم سائق شاحنة متهور فحول وجهتهم من جناح شهر العسل إلى جناح العناية المركزة.
بقيا بعد تلك الحادثة في غيبوبة لعدة أسابيع، بعد تعرضهم لإصابات بالغة في الرأس والعمود الفقري، ولم يعودا لوضعهما الطبيعي إلا بعد عدة سنوات من العناء المتواصل في المستشفيات.
(علي حميد) البطل الشجاع الذي ضحى بنفسه لينقذ عدداً كبيراً من الركاب في الحافلة التي كان يقودها عندما داهمها أحد سيول حضرموت العرمرمية.
كثيرة هي الحوادث المأساوية التي تحدث إثر السيول المباغتة في محافظة حضرموت، وقد هجم هذه المرة على إحدى الحافلات الكبيرة الخاصة بنقل المسافرين.
كان يقود الحافلة حينها سائق من محافظة تعز يدعى “علي حميد”، لم تغلبه غريزة البقاء لأن ينجو بنفسه ويدع البقية يواجهون مصيرهم، بل آثر اخوته في الإنسانية على نفسه وقاوم السيل الجارف وحده، أنقذ حياة كل من على ظهر الحافلة وأوصلهم إلى بر الأمان وعندما وصل الدور إليه ليلحق بالبقية صرخ السيل صرخته الكبرى ووقف لعليّ بالمرصاد وأبى إلا أن يتخذه ضحيته.
علِق عليّ داخل الحافلة التي ظل يجرفها هيجان السيل حتى بلغت نقطة بعيدة جداً.
وبعد خمسة أيام من البحث والتحري عُثر على جثة البطل وقد ارتكب السيل في حقها صنوف جنونه ووحشيته.
أسباب وعوامل
تختلف الأسباب والأسماء والحكايات والعاقبة واحدة: حادث مروري..
تعود أهم أسباب الحوادث المرورية في اليمن حسب إحدى الدراسات إلى:
- •المبالغة في التواصل الاجتماعي أثناء القيادة
- •ممارسة بعض التصرفات التي قد تشغل السائق عن القيادة: مثل الحديث في التلفون أثناء القيادة ، تناول القات..إلخ
- •قلة استخدام وسائل الحماية المتوفرة في السيارة والاستهتار بها لا سيما أحزمة الأمان.
- •السرعة العالية، وسوء تقدير سرعة المركبة، والتهدئة المفاجئة.
- •زيادة الحمولة عن الحد المسموح به وبروزها في أحيان كثيرة.
- •المشاة: وهؤلاء لا يمتلكون ثقافة السير في الشارع المليء بالمركبات على اختلاف أنواعها، إذ يعبرون الشارع متى ما أرادوا، ومن أي موقع دون الالتفات غالباً إلى أماكن السلامة في العبور، فهم يغتنمون فرصة توقف أو قلة المركبات على الشارع والتي تعد لديهم مؤشراً كافياً للعبور، ناهيك عن أنه لا توجد في اليمن إشارات لعبور المشاة أصلاً.
هذه الأسباب التي ترجع لمستخدمي الطرق أنفسهم، ولكن في الجانب المقابل حسب الدراسة هناك الطرق المستخدمة.
فعدم أهلية الكثير من الطرق للاستخدام، بسبب كثرة الأعطاب التي تحتوي عليها، كالحفريات المتكررة والمطبات العالية، كذلك عدم تطابق بعضها مع المواصفات والمقاييس العالمية، كل هذا يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى العديد من حوادث السير.
والسبب الآخر أن العديد من الطرق غير مزودة بالعلامات المرورية اللازمة من لوحات إرشادية وضوئية وإشارات مرورية وأجهزة رادارية وتصويرية… الخ.
أيضاً من النادر أن يتم تحديد السرعة المسموح بها في الشوارع أو الطرق.
ولا يخفى على أحد السبب الذي تتميز به الطبيعة التضاريسية للطرق في اليمن، إذ أن أغلبها طرق جبلية وذات انحدارات شديدة تؤدي إلى الانزلاق أثناء هطول الأمطار وحتى في الأوقات العادية أحياناً، إضافة إلى انجراف الأحجار والتربة من الجبال في أحيان كثيرة، مما يتطلب الصيانة المستمرة لها على انعدام ذلك.
أما عن رأي أحد المختصين فإن عشرات الحوادث تعود إلى استخدام السيارات المستعملة والقديمة التي تأتي من أمريكا ودول الخليج، لافتاً إلى أن العمر الافتراضي لبعض المركبات قد انتهى، أو تعاني من خلل فادح.
وكذا غياب الدور الرقابي للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة ومصلحة الجمارك ساهم في إغراق السوق بالسيارات التي لم تعد صالحة للاستخدام، إلا أنها تصل إلى اليمن ويتم شراؤها رغم أعطالها وافتقارها إلى مواصفات السلامة.
قبل العدوان وبعده
يعلم كل يمني أن لا شيء في اليمن ظل بعد عدوان التحالف السعودي كما كان قبله، ومن ضمن ذلك كما هو متوقع وبديهي نسب الحوادث المرورية، إلا أن نتائج البحث حملت في طياتها نوعاً من المفاجآت..
قبل العدوان:
وفقاً للاحصائيات المنشورة في المواقع الرسمية، أودت الحوادث المرورية خلال السنوات 2009-2013 بحياة 13360 شخصاً من مختلف الفئات العُمرية، فيما أصيب 76074 في تلك الحوادث، 45% منهم إصاباتهم خطيرة، تسبب فيها 56071 حادث سير في مختلف المحافظات وقدرت خسائرها بـ19 ملياراً و152 مليون ريال.
واحصائيات رسمية سابقة أشارت إلى وقوع 151 ألفاً و253 حادثاً مرورياً نتج عنها وفاة 29 ألف شخص وإصابة 193 ألفاً آخرين، خلال الفترة من عام 2000 إلى نهاية العام 2011.
بعد العدوان
وعبر سنوات الحرب الخمس الأولى، ووفقاً لبعض الإحصائيات الرسمية فقد تعرضت كثير من الطرقات والجسور للقصف والاستهداف، لتبقى حتى اليوم من دون إصلاح وترميم.
وقد قدّرت وزارة الأشغال العامة والطرق الخسائر والأضرار التي تكبدتها الطرق المدمرة التي وصلت مساحتها إلى أكثر من 17 ألف كيلومتر بمبلغ 822 ملياراً و935 مليوناً و509 آلاف ريال ما يعادل ثلاثة مليارات و291 مليوناً و742 ألف دولار.
عند الاستفسار عن العدد الإجمالي للحوادث المرورية في مختلف المحافظات اليمنية قيل أنه لا توجد احصائيات للحوادث التي تقع في المناطق الخاضعة لسلطة ما يسمى بـ”الشرعية”، كذلك فإن الاحصاءات التي جرت في المناطق الأخرى منذ العام 2020 وحتى اليوم لم تطبع أو تنشر منها شيء على حد تعبير المصدر.
أما عن تقدير آخر احصائيات الإدارة العامة للمرور فإن عدد الحوادث المرورية في الخمس سنوات التي تسبق وقوع الحرب في محافظة صنعاء وأمانة العاصمة وهما المناطق الأكثر استخداماً للمركبات المختلفة بلغ: 16249.
بينما وصلت في الخمس سنوات التي تلت الحرب في نفس المناطق إلى: 11,396 حادثة.
ومن المفاجئ هنا، أن الحرب وتبعاتها لم يكن لها الأثر العظيم في ازدياد أعداد الحوادث بعد الحرب عن تلك التي كانت قبلها، بل أن وتيرة ونسبة الارتفاع قد انخفضت في الفترة اللاحقة للحرب وبشكل ملفت مقارنة بتلك السابقة، رغم حجم الدمار وانعدام الصيانة أو الترميم لمعظم شبكات الطرق المنتشرة في المدن أو تلك الرابطة بينها!
يرجع سبب هذا الانخفاض حسب محمد اللوزي (عقيد في أحد مكاتب الإدارة العامة للمرور في أمانة العاصمة) إلى الوضع الاقتصادي المتردي في اليمن بسبب الحرب والحصار، فارتفاع أسعار المشتقات النفطية إلى جانب انقطاع المرتبات وغير ذلك من تبعات الحرب التي باتت تحول دون امتلاك أو زيادة استخدام المواطنون للمركبات كما كان في السابق، بالتالي فمن الطبيعي أن تنخفض أعداد الحوادث في المقابل.
النهار أم الليل؟
أما المقارنة بين الحوادث التي تقع نهاراً وتلك التي تقع ليلاً فستكون الأسباب واحدة غالباً، باستثناء مسألة الإنارات الليلية التي توقفت عن العمل بعد الحرب في معظم المدن اليمنية إما جرّاء التدمير المباشر أولاً، أو لانقطاع التيار الكهربائي ثانياً، مع عدم السعي لإصلاحها من قبل الجهات المسؤولة.
وعن أعداد الحوادث، فإن العدد في النهار يغلب ذاك الذي في الليل رغم زيادة عامل الظلام في عملية المقارنة.
يعلق على ذلك “علي قطران” أحد موظفي الإدارة العامة للمرور: سبب قلة الحوادث الليلية مقارنة بالنهارية يعود إلى طبيعة الحياة العامة في المجتمع اليمني، حيث أن المواطنين نادراً ما يخرجون ويتنقلون ليلاً مقارنة بالشعوب الأخرى، تحديداً بعد اندلاع الحرب فالظلام الدامس وكذا الاشتباكات التي نلاحظ ازدياد حدتها في ساعات الليل، هو ما يدفع الناس لأخذ الحيطة واجتناب الخروج ليلاً إلا في حالات الضرورة.
إرسال التعليق