جاري التحميل الآن

ذوي الإعاقة في اليمن… بين سندان الحرب ومطرقة المجتمع

ذوي الإعاقة في اليمن… بين سندان الحرب ومطرقة المجتمع

لم يكن هينًا أمر الخروج من عالمنا الصغير، حيثُ الجميع يتشارك نفس الأزمة وينشغل بها، عالم بسيط يحوي الشفافية وعدم التكلف، عالمٌ يعيش فيه الجميع ذات الوضع، إلى عالمٍ كبير مليء بالتناقضات، بهذه الكلمات تفتتح الكفيفة العشرينية سارة عبدالله حديثها وهي تصف السنوات التي قضتها في إكمال تعليمها لتتخرج من مركز الأمل للمكفوفين رغم الظروف المعيشية الصعبة في حظرة البلد الذي يعيش حالة من الإحتراب منذُ حوالي عشرة أعوام..

تقول سارة ل :جائلات” : عالم البساطة ليست من سمات هذا العالم الذي يضطر فيه الجميع لقطع مسافات تنكرية كبيرة إبتذالية بإجتهاد، ويعيش في صميمهِ الداخلي على المظاهر ويفتقر للوعي، وحتى إن وجد الشخص الواعي فهو يفتقر لشجاعة التنوير، عالم الكثير فيه يُعاني من نقصٍ شديد في الإنسانية.

وتضيف: كل ما تم التعامل بهِ معنا، أو النظر بهِ لنا تسبب في حدوث نوع من الصراع الداخلي النفسي الذي جعلّنا نعيش في عمليةٍ خوف وإنطواء, ومن الغريب أن الجميع يصّر حتى اللحظة بالتصرف بكل عنجهية غير مبالٍ، وكأننا مجرد شيء جامد لا يحوز على عواطف مرهفة وعقل ذكي.

وعن محاولة الدمج التي تقوم بها بعض المؤسسات والأفراد تقول سارة: “في هذا الإطار أنا لستُ ضد قرار الدمج، ولستُ معه أيضًا اذا لم تتواجد البدائل بشكلٍ كافي، بشكلٍ لا يُهمش حقوق فئة تُشكل ١٠% من سكان صنعاء وهو مانبهت به المنظمة العالمية بأهمية إجراء دراسة على المعاقين لمعرفة كيفية دمجهم”.

وعلى إمتداد اليمن هناك ما لا يقل عن 4.5 مليون يمني من ذوي الإعاقة يواجهون صعوبات مضاعفة في الفرار من العنف والحصول على الخدمات الأساسية، ويُنظر إليهم بعنصرية جائرة ونظرة دونية, ويتم اقصاءهم من عملية التنمية فينظر الى ماهو حقّ من حقوقهم وكأنهُ مساعدة خيرية.

الحرب إذ توسع دائرة الإعاقة

في الجانب الآخر غربي البلاد كان أحمد العويمرة 32 عامًا, العائد من غربة أستمرت لثلاثة أعوام خارج البلاد ذاهبًا للتجول على متن سيارته مع زوجته وأطفاله في طريقًا فرعي بمديرية حيس بمحافظة الحديدة غربي اليمن, ولم يكن يعلم ان الطريق الذي أستقصده لايزال مزروعًا بالألغام نتيجة الاعلان عن نزعها في وقت سابق, وعدم وجود أي حاجز، أو لوحة تحذيرية واضحة، ليتحول المكان فجاءةً إلى غُبار وأنين بعد ان داس على لغمٌ أرضي.

يروي أحمد تفاصيل الحادثة لوكالة ” جائلات”: سمعت صوت الإنفجار وشعرت بشيء ما هزني بقوة، وفقدت الوعي، ولم أصحو الا بعد ولزوجتي وأطفالي بثينة وعبدالله ولؤي, لأبنتي الرابعة والكبرى ملاك ( 17عامًا) النصيب الأكبر من الحادثة, كون الأطباء قرروا بتر رجلها.

ويضيف بحسره شديدة وتكاد عيناه تفيض دمعًا: لم أكن أعلم مايخبئه القدر، ولم أتوقع أن

إبنتي ستفقد قدرتها على الحركة، بعد الحادثة تعرضت لصدمة لايمكن ان نساها عندما طلب مني الاطباء التوقيع على إجراء عملية البتر، كنت مترددًا، لكن الإصابة أستدعت ذلك، فاذا لم نجري عملية البتر، ستتضاعف حالة ابنتي الصحية.

الوجع مرتين!

رغم ما أحدثته الإصابة بالطفلة ملاك، ومحاولاتها في تقبل إصابتها إلا أن الوجع الذي بداخلها لا يكاد ينتهي بسبب عدم قدرتها على الذهاب إلى المدرسة كالسابق، وعدم إستطاعتها اللعب مع إخوانها وصديقاتها، وما تتعرض له من مضايقات وتنمر، وما تسمعه من كلمات جارحة لها بسبب إصابتها، ووجودها في بيئة مجتمعية بالغة الهشاشة؛ حيث تشكو بشكل مستمر من تهكم زميلاتها في المدرسة والحارة ومناداتهن لها يا معاقة، بسبب أنها تسير على كُرسي متحرك، بحسب حديث والدها ل ” جائلات”.

في هذا السياق تقول الإخصائية النفسية إبتهال الدهبلي ل ” جائلات”: أن الإضطرابات النفسية التي يعاني منها ذوي الإعاقة وخاصة الاطفال تجعلهم غير قادرين على الإندماج بالبيئة المحيطة بهم في مجتمع كالمجتمع اليمني لا يمنح الفرد المُصاب بالإعاقة الدعم النفسي والتحفيز المستمر.

وتُشير الدهبلي إلى أهمية التحفيز والدعم النفسي والإجتماعي لذوي الإعاقة، وإخضاعهم لجلسات نفسية منتظمة من اجل مساعدتهم على تجاوز التفكير وتقبل إعاقتهم والتكيف معها.

إمكانيات ضعيفة

بعد بتر رجل إبنتي عجزت عن أن اوفر قيمة طرف صناعي بسبب إرتفاع قيمته التي تصل إلى 2000 دولار أمريكي، ذهبت إلى كل المنظمات لعلي أحصل على مساعدة مالية او طرف صناعي، لكن بلا فائدة، كل الجهات تقول أن الإعداد كبيرة وإمكانيتها لاتسمح، ومنذُ عام وأنا أموت في اليوم الف مرة حزنًا على إبنتي؛ هكذا يقول أحمد بلسانه ل ” جائلات”.

في هذا السياق يقول صلاح الدعيس، أحد العاملين في مركز الأطراف الصناعية بصنعاء: يعاني من فقدوا أحد أطرافهم العلوية أو السفلية من صعوبات كبيرة بسبب أن الاطراف الصناعية أصبحت باهضة الثمن نتيجة لعدم وجود ورش تصنيع الا بالعدد القليل على مستوى اليمن، ووجود مركز حكومي واحد في العاصمة صنعاء، و3 مراكز خاصة في الجمهورية اليمنية ككل، وعدم توفر المواد الخام، ونقص الكادر المؤهل لصناعة الأطراف الصناعية، ومغادرة الكادر الاجنبي الذي كان يعمل في صناعة الأطراف في اليمن من دول مختلفة بسبب توقف رواتبهم وتدهور الأوضاع الأمنية في العاصمة صنعاء، وتوقف الميزانية التشغيلية التي كانت تخصصها الدولة قبل الحرب للمركز.

ويبلغ قيمة الطرف الصناعي من 600 الف ريال يمني إلى مليون ريال أحيانًا بحسب الجودة، ومعظم المصابين لا يستطيعون الحصول عليه بسبب حالة الفقر المدقع التي يعيشونها، ورغم ان هناك جهات تقوم بمساعدة المحتاجين للأطراف الصناعية منذُ بدء الحرب، لكن زيادة المصابين شكل عائقًا امام هذه الجهات، بحسب صلاح.

ووفقًا للدعيس فان البعض قد يحصل على الطرف الصناعي والبعض يحرم منه، ولايستطيعون الحصول حتى على عُكاز او كرسي مُتحرك بسبب وجود الوساطات، وجهل الكثير من المتضررين بكيفية الوصول إلى الجهات والمنظمات التي تقدم المساعدة للمصابين.

ويحظر القانون اليمني إستخدام الألغام المضادة للأفراد، ضمن اتفاقية (حظر الألغام العام 1997) التي صادق عليها اليمن العام 1998، ودخلت حيز التنفيذ في مارس/ آذار 1999، والتزمت اليمن بعدم استخدام الألغام المضادة للأفراد تحت أي ظرف من الظروف.

ومنذ إندلاع حصدت الألغام الأرضية والأجسام الغير متفجرة التي دستها أيادٍ أثمة في العديد من المحافظات أرواح الاف المدنيين، وأعاقت أجسادهم، وتسببت في تعطيل حركة التنقل، ومنع وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين، وحرمت الكثير من السكان من أداء عملهم في الزراعة وتربية المواشي وغيرها من الأعمال, وأصبحت أخبار القتلى والمصابين بسبب الألغام شيئًا روتينيًا، وأحداثًا يومية تتناقلها وسائل الإعلام.

وتسببت الحرب الدائرة في البلاد بإدراج أكثر من 92 ألف شخص في سجلات الإتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين، وإغلاق وتعطيل أكثر من ثلاثمئة مؤسسة من مؤسسات ذوي الإعاقة تأثرت مباشرةً بالقصف الجوي والصاروخي أو الإعتداء والحرق والنهب من قِبل بعض الجماعات المسلحة، بحسب تقرير للمركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة، وهو الأمر الذي أكده تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2018، حول حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وسط النزاع في اليمن، حمل عنوان “مستبعدون”، مشيرًا إلى أنّ النزوح من أبرز المشكلات والصعوبات التي واجهت النساء المعاقات.

ومع تزايد هذه النسبة بشكل مهول بسبب الحرب والعوامل الصحية والبيئة والإقتصادية السيئة التي يعيشها اليمنيين؛ تصبح هذه الفئة أكثر الفئات عرضة للتهميش والعنف في ظل استمرار الحرب.

وتعتبر اليمن من الدول الأطراف في “إتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، ولديها قوانين تهدف إلى حماية الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن، والبالغ عددهم ما لا يقل عن أربعة ملايين ونصف المليون نسمة أي حوالي 15 بالمئة من عدد السكان، وفقًا لتقديرات “منظمة الصحة العالمية”.

إرسال التعليق